التصنيفات

الخبر

حوض سيل الزرقاء تلوث بيئي ووعود بلا تنفيذ

posted on
حوض سيل الزرقاء تلوث بيئي ووعود بلا تنفيذ

أحمد العتوم، أوراق بيئية

 أكثر من ثلاثين عاماً وسيل الزرقاء يتعرض للتلوث نتيجة إسالة مياه الصرف الصحي في مجراه، ولعل مرور العديد من خطوط الصرف الصحي القادمة من بعض مناطق عمان والرصيفة والزرقاء في وسط مجراه السبب الرئيسي في تلوثه، وفيضانه المستمر وبخاصة في فصل الشتاء.

ورغم أن مشكلة سيل الزرقاء قديمة حديثة إلا أنها ما زالت بلا حل جذري، إذ ما زال مجرى السيل يستخدم مكباً للنفايات الصناعية والمنزلية والتجارية ومخلفات البناء والأنقاض والأتربة مما جعله مكانا جيداً لتكاثر القوارض.

 يمتد سيل الزرقاء الذي يبلغ طوله 73 كيلومتراً عبر مناطق زراعيةٌ ومحاجرٌ قبل أن يصب في سد الملك طلال أكبر سدود المملكة.

 

تاريخ حوض الزرقاء

عتوم 1

كان نهر الزرقاء كما وصف في الكتب القديمه أهم موئل استراتيجي في المنطقة فمن أيام العهد الروماني حمل النهر آثار عديده تدل على أهميتهِ في تلك الحقبة، وعناية الحضارات القديمه بذلك النهر الذي كانت مياهه عذبة تستخدم للشرب وصيد الاسماك والري.

رجّح العلماء الجيولوجيون أن عمر النهر يبلغ حوالي 30 مليون عام، حيث اكتُشف في آثار عين غزال في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين،

التي تعتبر منطقة -منبع نهر الزرقاء -إحدى أهم المناطق الأثرية في المنطقة، حيث يرجع تاريخها إلى فترة العصر الحجري الحديث، وقد اكتشفت العديد من الآثار هناك. ثم استعمرت في عام 7200 قبل الميلاد لأكثر من ألفي سنة.

ويظهر في الصوره منبع نهر الزرقاء في منطقة عين غزال خلال الخمسينيات:

  عتوم 2

في العقود الثلاثة الماضية، تعرّض نهر الزرقاء لاعتداءات كبيرة من قبل بعض المصانع، فتحولت مياهه النقية إلى مياه عادمة، إضافة إلى وجود عدد كبير من مخارج مياه الصرف الصحي التي تصب فيه دون رقابة جديّة من الحكومات المتعاقبة؛ وبعد إنشاء وزارة للبيئة في الأردن بدأ بالاهتمام بسيل الزرقاء لإعادة الحياة إليه من جديد.

فكانت الزراعات ممتدة على طول حوض سيل الزرقاء الذي يبلغ طوله 73 كيلو متروالذي يمر في أربع محافظات ابتداءا من العاصمة عمان الى الزرقاء فمحافظة جرش وينتهي في البلقاء ليصب في سد الملك طلال ففي الثمانينات كانت تقام مسابقات للسباحة والغطس في مياه هذا النهر العذب كما يظهر في الصورة:

عتوم 3

 

كما كانت مياه سيل الزرقاء تعتبر المورد الرئيسي والاستراتيجي في سبل العيش القديم والتي تعتمد على الزراعة بنوعيها الموسمية والمدارية فكان يزرع الفجل والجزر والملفوف والخضراوات الكثيره في مزارع بسيطة على ضفاف النهر وذلك بتشكيل أحواض كبيرة لجمع المياه وتسييرها عبر قنوات ترابية لري النباتات كما تبين الصورة التالي:

عتوم 4

لكن نتيجة التزايد العمراني و الحاجه لمصدر مائي يغطي تلك الاحتياجات أخذت عمان منابع السيل لتحولها الى استخدامات ملايين الناس لينقطع المورد العذب الذي كان يغذي السيل.

 

قصة تلوث سيل الزرقاء

يبدأ تشكل السيل في منطقة القيسية في وادي عبدون شتاءاً عند هطول الامطار على المناطق المرتفعه ليبدأ جريانه السطحي هناك، ففي عام 2000 قامت الحكومة الاردنية بعمل سقف اسمنتي للسيل حتى لا تختلط مياهه بمياه الصرف الصحي، بعد استملاك الأراضي من المواطنين لكثرة شكاوى المواطنين من أنتشار الروائح الكريهة والحشرات والقوارض في منطقة المهاجرين والقيسية ووادي عبدون وبناء مجمع يعلتي السيل هو مجمع باصات المهاجرين.

بنيت محطة معالجة رأس العين وسيطرت على المنابع الرئيسية لحوض سيل الزرقاء التي أنشئت عام 2003م، من ينابيع وآبار ارتوازية تضخ الى شركة مياهنا لتغطي احتياجات العاصمة عمان وتواجه مشاكل في تلوث مياه الشرب نتيجة فيضان السيل في فصل الشتاء لتختلط فيها وتشكل عائق كبير في إعادة تنقية المياه، لكن المياه المالحة الناتجة عن عملية التنقية تطرح في السيل لتزيد من تركيز التلوث الاولي لمياه سيل الزرقاء، ولم يتم قياس نسبة الملوحة او إجمالي المواد الصلبة الذائبة لغاية الان وتعتمد على نظافة الأغشية المنفذه كما يظهر في الصورة التالية:

عتوم 5

أما مسلخ عمان فلهُ التأثير الأكبر فبعد ملاحظة وجود مياه آسنه من قبل الأهالي المجاورين كان هناك إجماع منهم أن المسلخ أيضاً يلقي مخلفات مياهه في مجرى السيل ليشكل مكرهه جالبة للحشرات والقوارض والرائحة الكريهه التي يعاني منها الناس.

على حافة السيل تنتشر مئات المزارع التي تعتمد على الري من مياه السيل إضافة الى مزارع لتربية المواشي والتي تروي حيواناتها من مياه السيل الامر الذي يشكل خطورة بسبب طرح مياه الصرف الصحي من بعض المنازل والمنشئات في حوض السيل.

 

سكان مناطق السيل

يأمل المواطن علي صالح (45 عاما) أن يتمكن من ممارسة هوايته في صيد السمك على ضفاف نهر الزرقاء أو "السيل" كما كان يفعل قبل عقود مع والده. "كنت أرافق والدي في عملية صيد السمك وكان أغلب أهالي منطقة "عين القنيّة" يمارسون الصيد يومياً وخاصة في فترة الصيف".

وأشار صالح أنه شارك في العديد من الورشات التي عقدت من قبل وزارة البيئة ومؤسسات المجتمع المدني الدولية والوطنية لعملية إعادة تأهيل سيل الزرقاء، ولكن سرعان ما يتنهي الاهتمام مع إنتهاء وقت التمويل الذي تحصل عليه هذه المؤسسات.

وأضاف هاشم أن الناس فقدت الثقة في عملية إصلاح السيل وإعادة الحياة الطبيعية إليه كما كان في السابق.

حليمه الصفدي تستذكر قيمة النهر أو "سيل الزرقاء" في وجدان سكان منطقة السخنة وكيف كان إعتماد الناس في الخمسينيات من القرن الماضي على صيد السمك والطيور.

وأضافت الصفدي "كنا نأكل ونشرب من السيل"، واليوم يعاني أهالي المنطقة من الروائح الكريهة وإنتشار الحشرات والقوارض وبالرغم أن منطقة السخنة أقل مناطق سيل الزرقاء مساهمة في تلويثه.

وأستبعدت الصفدي أن يتم إعادة النهر أو السيل على ما كان عليه في السابق، بقولها   " الي بيروح ما بيرجع مكانه ".

المؤرخ أحمد السفاريني الذي عايش سيل الزرقاء منذ أن كان نهراً يأسف لحال السيل الذي أصبح عبارة عن مكرهة صحية وبؤرة تلوث بيئي في مدينة الزرقاء، حيث لا تكتفي المعامل الحرفية والصناعية بإلقاء مخلفاته فيه، بل يلقي المواطنون بنفاياتهم أيضاً فيه.

من جانبه يطالب المزارع علاء الطريفي بحلول تحد من مشكلة تلوث السيل وجفاف مجراه كبناء جدران استنادية، والتي كانت مقترحة كمشروع ممول من الصندوق الكويتي، وإيجاد كاميرات رصد بيئية توضع على المنازل والمصانع المجاورة للسيل لرصد المخالفين، وبإيجاد أعوان للشرطة البيئية.

ويشتكي القاطنون بجانب السيل من الزوار الذين يلقون بنفاياتهم في مجرى السيل، ومن القوارض والحشرات الناقلة للأمراض صيفاً، ومن اختلاط وتلوث الآبار الجوفية ومجرى السيل من مياه الصرف الصحي.

كما يتواجد بجانب السيل مشروعات زراعية صغيرة تستغل المياه العادمة وغير المعدلة بشكل صحي لري المزروعات، بالإضافة إلى انبعاث الروائح الكريهة من مجرى السيل نتيجة إلقاء النفايات فيه.

الرصيفة وانتشار المصانع

في الرصيفة تتفاقم المشكلة لانتشار المصانع والكسارات ومعامل الطوب على ضفاف السيل والتي تلقي المياه العادمة فيها إضافة الى إلقاء المخلفات البشرية الصلبة وصهاريج مياه الصرف الصحي الأمر الذي يزيد تركيز المواد العضوية والسامة في مياه السيل.

تلوث أحد المصانع الموجودة في منطقة الرصيفة، يشكل الخطر البيئي الأكبر للسيل حيث يلقي المصنع فائض المياه العضوية الزائدة في السيل، دراسة لمعالجة المياه الخارجة من المصنع بواقع ضخ 100 متر مكعب من المياه العادمة وضخ 100 متر مياه نظيفة لمعالجة الوضع لكن الواقع غير ذلك فالمصنع يضخ اكثر من 500 متر يوميا من المياه العضوية الي تعتبر أشد فتكاً وتركيزاً من مياه الصرف الصحي حسب خبراء البيئة.

وكان هناك محاولات عديدة لمنع ضخ مياه هذا المصنع في السيل وبعض الاقتراحات بضخها لري حديقة الرصيفة لكن المياه دمرت كامل النباتات في الحديقة لسميتها وتركيز المواد السامه فيها بشكل كبير واصبحت الحديقة مكرهة صحية.

اُعطيّ المصنع إخطاراً أخيراً بعد تجاوز جميع التنبيهات منذ 15 عاما ولم يلتزم صاحب المصنع لغاية بداية هذا العام بمعاجة المياه قبل طرحها في السيل.

دراسة تشير الى سمية عوادم المصنع

وحسب دراسة اجريت على مياه سيل الزرقاء في عام 2004م  اجرتها وكالة التجارة والتنمية الأمريكية (USTDA) تعتبر مياه بعض المصانع في منطقة الرصيفة، والتي تلقي مياهها العادمة في سيل الزرقاء، هي مياه عضوية شديدة التركيز ولا يمكن طرحها في قنوات الصرف الصحي لانها تحتوي على بكتيريا قاتله لمواد محطات التنقية فيصبح هناك صعوبة في معالجة المياه وتسبب اعطال كبيرة في تلك الشبكات.

وتذكر الدراسة أن المواد العضوية التي تطرحها المصانع أشد فتكاً من مياه الصرف الصحي، حيث أن تركيز المواد العضوية في مياه الصرف الصحي تصل من 5 ال 10 الاف جزء من المليون، لكن مياه المصانع يصل تركيز المواد العضوية الى 100الف جزء لذلك تعتبر هذه المياه ملوثة وتهدد النظام البيئي لحوض سيل الزرقاء.

الخبير البيئي رئيس اتحاد الجمعيات البيئية عمر الشوشان أنه رغم المحاولات الكثيره من مختلف الجهات لأعادة تاهيل الانظمة البيئية الا أنه لا تزال المشكلة قائمة ولم يتم التنفيذ على أرض الواقع، ويضيف أنه لا يوجد خطة حقيقية لإدارة ملف السيل وما زال ملوث.

لم يتوقف تلوث مياه سيل الزرقاء على مصانع منطقة الرصيفة فحسب، فهناك مئات المصانع على امتداد مجرى السيل، التي تلقي مياهها العادمه الى أن تصل لمحطة الخربة السمراء التي تطرح المياه المكررة من الصرف الصحي في حوض السيل أيضاً.

 

محطة الخربة السمراء

بعد انقطاع جريان سيل الزرقاء في نهاية منطقة الرصيفة نتيجة الاعتداءات والاستخدامات الجائرة للمياه يتجدد سيل الزرقاء في منطقة السخنة بمحافظة الزرقاء حيث بدأ تشغيل المحطة التي تعمل على نظام المعالجة الطبيعية عام 1985م  بطاقة 68 ألف متر مكعب يومياً، لتخدم مناطق عمان والزرقاء والرصيفة لكن مع التزايد السكاني وازدياد نسبة تدفق مياه الصرف الصحي التي يتم ضخ المياه المكرره من الصرف الصحي فيه ليعود جريانه من جديد بواقع 300 ألف متر مكعب يومياً مع بداية العام الحالي بتكلفة توسعة وصلت الى 200 مليون دينار، وتظهر مياه سوداء تجري في السيل بعد خروجها من الخربة السمراء كما في الصورة التالية:

عتوم 6

موئل طبيعي

رغم كل أنواع التلوث الذي أصاب حوض سيل الزرقاء الا أنه لا يزال يحتفظ بموئل طبيعي هام يجمع أنواعاً كثيره من النباتات والطيور والاسماك، لكن كفاءة تلك المخلوقات وديمومة استمرارها لن يدوم مالم يكن هناك جهود كبيره على مستوى الوطن لمحاولة إعادة الماضي الذي كان يرتبط بنهر الزرقاء والتخلص من كل روافد التلوث التي تهدد الحوض ويظهر في الفيديو التالي سيل الزرقاء من منبعه الى سد الملك طلال الذي يصب فيه:

وتعمل وزارة البيئة على إيجاد حلول سريعة لمعالجة أزمة السيل متمثلة في إنشاء وحدة متخصصة لإعادة تأهيل سيل الزرقاء، وزراعة وتنظيف جوانب السيل من المنطقة الممتدة من الرصيفة إلى محطة رفع غرب الزرقاء، والإسراع بتنفيذ مشروع صيانة وتوسعة خطوط الصّرف الصحّي المارة بالسيل.

كما تعمل الوزارة إلى إجراء مسوحات ميدانية لمعامل الطوب الوطنية والبلاط ومناشير الحجر الواقعة على السيل التي تقوم بطرح مخلفاتها الصلبة في السيل وإجراء اللازم بحقهم لحل مشكلة السيل.

ولبلدية الزرقاء واجبها المتمثل في تنظيف وتهذيب مجرى السيل خاصة في مناطق البؤر الساخنة المذكورة أعلاه، وعلى الرغم من الجهود التي تبذل من السلطات الرقابية ومؤسسات المجتمع المدني لإنقاذ سيل الزرقاء إلا أن الكارثة البيئية ما زالت ماثلة أمام العيان، كما تشاهدونها في الفيديو التالي:

| الرجوع

أخبار ذات صلة بالموضوع

Not any article

    أنشأ هذا الموقع بدعم من